درية سالم رئيس البرنامج القومي لصحة المرأة: سرطان الثدي وحش يمكن ترويضه
للمرة الثالثة تفوز مصر بجائزة دولية من الأمم المتحدة لإقليمي شمال إفريقيا وغرب آسيا كأفضل مشروع حكومي للخدمات المباشرة بالمجتمع عن المشروع القومي لصحة المرأة الخاص بالكشف المبكر وعلاج إصابات سرطان الثدي.
أهمية البرنامج تستمد من كون سرطان الثدي من أكثر الأورام تهديدا لصحة المرأة والذي يمثل نحو36% وفقا لبعض التقديرات الطبية. وبصفة عامة يعد السبب الثاني للوفاة بعد سرطان الرئة.
وفي مصر يستمد المرض خطورته من جانبين: الأول ان معظم الحالات تكتشف متأخرة وبالتالي تزيد نسبة معاناة السيدة مع المرض وربما يفقدها جزءا غاليا من جسدها. والجانب الثاني هو غياب نظام رصد وتتبع لحالات اورام الثدي في مصر وذلك بسبب الافتقار إلي نظام تسجيل قومي لحالات السرطان عامة.
عن البرنامج وما حققه خلال أعوامه الستة, تحدثنا مع الدكتورة درية سالم, رئيس البرنامج القومي لصحة المرأة ومستشار وزير الصحة, التي أكدت ان خطوات البرنامج تعكس اهتمام القطاعات الحكومية بالمشكلة التي لا تحمل دون مشاركة المجتمع المدني. مشيرة الي ان سرطان الثدي وحش يمكن ترويضه وان أهم عوامل نجاح مواجتهه هي اكتشافه في وقت مبكرمما يزيد فرص الشفاء.. والي نص الحوار:
ما معدلات الإصابة بسرطان الثدي في مصر في ضوء بقية العالم؟
وفقا لآخر الاحصائيات الرسمية ترتفع نسبة الاصابة بسرطان الثدي بين المصريات إلي42.5 لكل100 ألف سيدة. وأهم ما يميز الإصابات عندنا وباقي دول المنطقة العربية انها تحدث في عمر أصغر في الثلاثينيات بفارق عشر سنوات عن نساء بقية دول العالم اللائي تبدأ الإصابة لهن في عمر الاربعينيات.
.. وما مسببات المرض بين المصريات؟
حتي الان لم نعرف السبب بشكل محدد. هل لاننا نحمل جينات معينة تخص سكان المنطقة العربية ككل أم لأن التركيبة السكانية أغلبها دون سن الاربعينيات وبالتالي الاصابات المتزايدة في صفوفهن عكس الدول الغربية التي يرتفع فيها الاعمار.
بالحديث عن المشروع منذ انطلاقه عام2007 كيف جاءت الفكرة؟
استهدف المشروع في بدايته5 ملايين سيدة وهن عدد السيدات فوق الـ45 عاما في وقتها. ضمن خطة وزارة الصحة للقضاء علي مرض سرطان الثدي من خلال البرنامج القومي لصحة المرأة منذ أكتوبر عام2007, بهدف زيادة الوعي بمرض سرطان الثدي وإرشاد السيدات اللاتي تجاوزن سن الخامسة والأربعين إلي كيفية اكتشاف المرض والوقاية منه باستخدام أحدث التقنيات. وربما قد يجهل البعض ان البرنامج يفحص السيدة ايضا لكشف اصابتها بأمراض الضغط والسكر والسمنة بوصفها أهم الامراض التي تهدد السيدة في المرحلة العمرية التي نتحدث عنها.
ولابد ان اشير الي ان البرنامج نجح في التغلب علي عدد من المشاكل وأهمها علي الاطلاق اقتصار وجود الخبرات من استشاريين ومتخصصين في عدد محدود من المحافظات والمدن الكبري. وهو ما يعني ان تتحمل المريضة مشقة السفر. كذلك فإن الطبيب المقيم في المدن النائية والقري لا تتوافر لديه الخبرة والتأهيل الكافيان لاكتشاف خطورة المرض وهو ما ينعكس في عدم تقديم الرعاية المناسبة في الوقت المناسب.
وكيف نجحتم في الوصول إلي السيدات في الأرياف والمناطق النائية؟
اتجهنا لاستخدام تكنولوجيا التشخيص والتطبيب عن بعد. حيث تم تقسيم البرنامج الي ثلاث أركان, الأول وحدة فحص متنقلة تجوب مختلف المناطق ومجهزة بجهاز اشعة تصوير رقمي الماموجرام واجهزة للكشف عن مرض السكر وضغط الدم وقياس الوزن. والثاني وحدة ثابتة هي جهاز الماموجرام ويوضع في المستشفيات العامة بالمحافظات. والثالث هو المركز الرئيسي بالإدارة العامة للأشعة الذي يضم عدد كبير من الاستشاريين في مجال اشعة الثدي لاستقبال نتائج الفحوص وصور الأشعة المرسلة من وحدات الفحص المتنقلة والثابتة للعرض علي الاستشاريين وإصدار التقارير ومن ثم تحديد الإجراء التالي مع المريضة حيث يتم عمل سجل طبي لكل سيدة.
وماذا حققتم من حيث عدد المستفيدات والمناطق التي يغطيها المشروع؟
طوال السنوات الست الماضية استمرالبرنامج في تقديم خدماته بدون توقف وبالمجان في22 محافظة علي مستوي الجمهورية. اما المحافظات الخمس الباقية كالواحات والوادي الجديد فتأخر وصولنا اليها نظرا للظروف الأمنية خلال الفترة الاخيرة. وحتي الآن تمكنا من فحص أكثر من113 ألف سيدة, نحو2100 حالة مشتبها فيها. وتم اثبات الاصابة بالسرطان في455 حالة بعد تحليل العينة. منها420 حالة خضعت لإجراء العملية جراحية بالاستئصال الكلي أو الجزئي.
هل تقصدين ان جميع خطوات الفحص والعلاج تمت بالمجان؟
نعم, ودعني اؤكد ان البرنامج المصري هو الوحيد علي مستوي العالم الذي يقدم خدماته بالمجان بالكامل منذ بداية التشخيص وحتي نهاية العلاج. لقد زرت البرامج المماثلة في دول مثل ألمانيا وانجلترا وهولندا وفرنسا ويقتصر كل دورها علي اثبات الاصابة بالورم سرطاني من عدمه وفقط.
وهل تكتشف الحالات في مراحل متأخرة أم مبكرا؟
غالبية الحالات تكتشف في المرحلة الاولي وبدايات الثانية, حيث يكون الورم صغيرا ويمكن استئصاله دون استئصال الثدي كاملا, وهوما يرفع من فرص الشفاء ويحسن استجابة المريضة للعلاج. وهو أمر يدعو للتفاؤل لأن قبل تنفيذ البرنامج كانت جميع الحالات تكتشف في مراحل متأخرة إما في المرحلة الرابعة أو الثالثة.
وماذا بعد الكشف: كيف تستكمل مرحلة العلاج؟
في حالة اكتشاف الورم يتم أخذ عينة نسيجية للتحقق مما إذا كان سرطانيا أم حميدا. وإذا تأكدنا من وجود سرطان يجري مزيد من الاختبارات والتحاليل لمعرفة حجم الورم ومدي انتشاره, ووفقا للنتائج يتخذ قرار العلاج المناسب.
وهل تلتزم السيدات بالمتابعة واستكمال الفحص؟
عند تكرار زيارتنا للمحافظات للمرة الثانية لاحظنا ان السيدات يسارعن من تلقاء انفسهن للفحص. وهو ما يعني اننا نجحنا في إيجاد حالة من الوعي العام. وفي الواقع الفريق الطبي الذي يتولي فحص السيدة لا يتركها خطوة وهناك ما يأخذها من يديها للمستشفي لاستكمال الفحوصات. كذلك نوفر للسيدات المترددات علي القافلة التوعية والدعم لتأكيد ضرورة الاكتشاف المبكر, الذي يجنبنا استئصال الثدي وانما الورم فقط كلما تم اكتشافه مبكرا.
وماذا تأملين للبرنامج في عامه السادس؟
أرجو ان نستكمل البرنامج ونظل محتفظين بنجاحه, فالبرنامج يقدم كل خدماته بمستوي متميز وبالمجان وتتحمل وزارة الصحة تكلفته وهي تكلفة عالية. فمثلا التقنية المستخدمة في التصوير الرقمي للثدي لاتتوافر إلا عند عدد محدود في القطاع الخاص وتترواح مابين500 و900 جنيه. وفي الحقيقة برنامج صحي وعلاجي لعلاج السرطان لا تستطيع الحكومة وحدها انجازه ولابد من تدخل المجتمع المدني. ولذلك فتحنا حسابا برقم19507 ببنك مصر للتبرعات ليساعدنا علي اكمال المشوار, فنحن لانكشف عن المرض فقط وانما نعالج حتي الشفاء.
هل تري مؤشر انتشار المرض في تصاعد أم هبوط؟
من المعروف علميا ان تطبيق هذه البرامج يحدث انخفاض في عدد السيدات اللاتي يفقدهن ثديهن أو يتوفين نتيجة اصابتهن بسرطان الثدي أو تطور الاصابة لدرجة متأخرة. ولكن لا أستطيع القول ان عدد المصابات قد انخفض لأن الأسباب لاتزال غير معروفة لنا علي وجه التحديد.
من واقع خبراتكم ما هي أبرز المشكلات التي تواجه مكافحة سرطان الثدي في مصر؟
أهم المعوقات عدم توافر ميزانية كافية لعمل الدعاية لدعوة السيدات إلي التوجه إلي مكان وجود الوحدة المتنقلة. وان كنا نلجأ لطبع الورق علي الكمبيوتر ونقوم بتوزيعه علي اماكن الوجود كالمدارس والمساجد والكنائس. وينعكس نقص الدعاية عندما لا يأتي العدد الكافي في اليوم وبالتالي تكلفة الكهرباء والأجهزة والعاملين لايقابلها تحقيق اقصي عائد في افادة السيدات. ولذلك أدعو الشباب للدخول إلي موقع البرنامج للاطلاع علي جدول واماكن الزيارات ومن ثم ابلاغ الناس.
النجمة انجلينا جولي والتي قامت باستئصال ثديها كخطوة وقائية من المرض ثم اعلنت ذلك علي الملأ للجماهير.. كيف تصفيها؟
اراها سيدة شجاعة جدا, أولا لاعلانها تشخيص حالتها وثانيا ان تاخذ خطوة استئصال ثديها وتعلن ذلك علي الملأ. وان كنت اري ان زوجها الممثل براد بيت لايقل شجاعة عنها, كونه تفهم قرارها وساندها علي الاستمرار في العلاج. وهذه المبادرة نحتاجها في بلدنا لتشجع السيدات علي حماية انفسهن بالفحص المبكر ومواجهة مرضهن.
وقياسا علي ذلك.. هل ترين ان العوامل الثقافية والاجتماعية في التعامل مع مرض سرطان الثدي تغيرت في مصر؟
بدون شك السيدات اصبحن اكثر وعيا وكسرن حاجز الصمت تجاه مرض سرطان الثدي. ولكننا بحاجة اكثر للمزيد من عدم الخوف والاقدام علي الكشف الدوري ومواجهة المشكلة لو كانت هناك مشكلة لأن نسب الشفاء ترتفع كلما اكتشف الورم مبكرا. كذلك فإن التعاطف الأسري والدعم النفسي يشجع السيدة سواء كانت أما أو أختا أو زوجة لتعبر هذه الأزمة الصحية حتي الشفاء.
بماذا تنصحين المرأة للوقاية من المرض أو اكتشافه مبكرا؟
انصح كل سيدة بالفحص الذاتي لثديها شهريا, لتلاحظ هل هناك تغير في اللون والجلد وشكل الثدي أو وجود تكتل غير طبيعي. وهذا لا يعني الاستغناء عن الفحص بأشعة الماموجرام إذ كانت فوق سن40, أوسن الثلاثين لو كان لديها تاريخ مرضي بالاصابة بسرطان الثدي في افراد عائلتها. واناشد السيدات بالاتصال علي الرقم الساخن للبرنامج وهو19507 للاستفسار أو الحصول علي أي معلومات تريدها.
وماذا تفعل المرأة إذا اكتشفت إصابتها بالمرض؟
لوتأكدت من اصاباتها تتوجه فورا لأي من مستشفيات الجامعية أو المعهد القومي للاورام وفروعه في الاقاليم. لأن الكشف المبكر والتعامل مع سرطان الثدي في مراحله الأولي يقلل من نسبة خطورته علي حياة المريضات ويجعل من نتيجة العلاج أفضل وربما يجنبها استئصال الثدي.
لنتحدث عن العلاجات المتاحة ومدي فعاليتها في القضاء علي المرض؟
في الحقيقة هناك الكثير من العلاجات للمرض حتي أصبح الاستئصال ليس الحل الوحيد بل الأخير. وهناك العلاج الموجه, وبالرغم من تكلفته الباهظة فإن نتائجه مطمئنة ويعد أفضل علاج للعديد من أنواع السرطان وخاصة سرطان الثدي. وفيه يتم توجيه العلاج الكيماوي مباشرة لمهاجمة خلايا السرطان دون التأثير علي الخلايا السليمة. وهو ما يفيد كثيرا في تقليل حجم الورم وتقليل مخاطر ارتداد الورم بصورة كبيرة.
http://www.ahram.org.eg/NewsQ/216089.aspx