ثورة الطب بعد الجينوم البشري: مصر تدخل عصر أبحاث البروتيوم وتفتح طريقا جديدا لدراسة الأورام
بعدما أنجز العالم خطوات مهمة في فك شفرة الجينوم البشري. يوجه العلماء اليوم أبحاثهم لاكتشاف مكون آخر بالغ الأهمية لفهم طبيعة عمل الخلايا البشرية ألا وهو البروتيوم'proteome', حيث تهدف تلك الأبحاث لمعرفة التراكيب الجزيئية للبروتينات المكونة للخلايا داخل أجسامنا.
فإذا كان علم الجينوم يعرض لنا قائمة بمكونات الجسم فإن البروتيومات تعرض لنا ما تنتجه هذه المكونات. وهو ما يصفه الباحثون بثورة طبية واعدة لفهم الأمراض والتغيرات التي تطرأ علي الخلية خلالها مثل الأورام السرطانية ومن ثم اكتشاف الأمراض مبكرا وتطوير العلاجات الدوائية الأنسب للتغلب علي المرض.
والمبشر أن مصر ليست بمعزل عن هذا العلم,وذلك من خلال أول معمل لأبحاث البروتيومات التابع لجامعة الإسكندرية ويضم جهاز اكتشاف وقياس البروتيومات وتقديم مفاهيم جديدة عن اكتشاف وعلاج أمراض السرطان. ويعد هذا الجهاز هو الوحيد علي مستوي الشرق الاوسط ولايوجد مثله إلا في إسرائيل. ذلك ماكشفه المؤتمر الدولي الثالث لعلاج الأورام برئاسة د.ياسر القرم ود.عمرو عبد العزيز, أستاذا علاج الأورام بطب الإسكندرية وبمشاركة نخبة من العلماء من مصر وجامعتي جورج واشنطن وتوليدو الأمريكيتين والجمعية الطبية العلمية, لمناقشة أحدث الأبحاث في مجال تشخيص وعلاج أورام الثدي والجهاز الهضمي اللذين يحتلان قائمة أكثر الأورام انتشارا بين المصريين. وتقول د. بسنت معز أستاذ الباثولوجيا الإكلينيكية ومدير معمل أبحاث البروتيوم بطب الإسكندرية, عن توافر جهاز اكتشاف وقياس البروتيومات لأول مرة بمصر بمنحة من صندوق العلوم والتكنولوجيا قيمتها4 ملايين جنيه, حيث يستخدم للكشف عن التفاعلات الحادثة داخل الخلية في حالات الإصابة بأورام الثدي والقولون ومرض السكر. وتؤكد أن مصر تأخرت عن ملاحقة اهتمام العالم بعلم البروتيوم, والذي يحوي أسرارا وتعقيدات تزيد عن الجينوم. موضحة أن كل بروتين يحتاجه الجسم محفوظ كشفرة كيميائية في الحمض النووي, ويؤدي الأدوار الضرورية لعمل الخلية الحية. ولذلك يتجه الباحثون لدراسته لفهم الخلل المصاحب للمرض, مشيرة إلي أن توافر هذا الجهاز يتيح فرصة مهمة للباحثين لملاحقة العالم في مجال علاج الأورام وفهم ما يحدث داخل الخلية السرطانية وكيفية تحورها, كما يمكن الاستفادة من نفس التقنية في مجال الطب الشرعي والكشف الجنائي.
ولقد تناول د.عمرو عبد العزيز في محاضرته أحدث التقنيات في مجال جراحة وعلاج أورام الثدي دون استئصال الغدد الليمفاوية من تحت الإبط فيما يعرف بتقنية الغدة الليمفاوية الحارسة, حيث يتم استئصال الورم وهذه الغدة فقط وفحصها ميكروسكوبيا بدون استئصال كامل الغدد. وإذا ثبت أنها غير مصابة يتم تجنيب المريضة التفريغ الكامل للغدد والمضاعفات المترتبة عليها. هذا الإجراء الجراحي الجديد يرفع نسب الشفاء إلي90% وذلك بمصاحبة العلاج الكيماوي قبل الجراحة للسيطرة علي حجم الورم وتقليله في الحالات المتقدمة وفقا لنتائج البحوث التي أجريت علي1700 مريضة سرطان.
ويوضح د.عمرو أن هذا الإجراء يجنب الكثير من الأعراض الجانبية بعد الجراحة وأهمها تورم الذراع لدرجة تعيق الحركة. كما أن هذا الأمر يجعل المريضة عرضة للإصابات والعدوي الفيروسية. أما مستقبل علاجات الثدي, فكما تشير الأبحاث هو تحديد نوع العلاج علي حسب الشفرة الجينية لكل ورم والتي تختلف من مريض لآخر, حيث يتم أخد عينة من الورم وتحليله وعليه يحدد العلاج المناسب. ويأتي ذلك في الوقت الذي يحتل فيه سرطان الثدي المرتبة الثانية بين أكثر أنواع الأورام انتشارا بين المصريات, حيث تقدر النسب بوجود حالة مصابة كل13 سيدة. وعن البحوث الجديدة في مجال سرطان القولون يؤكد د. ياسر القرم أن استخدام تكنولوجيا البيولوجيا الجزيئية يعد أملا جديدا في تشخيص وعلاج أورام القولون والجهاز الهضمي عن الاختيارات العلاجية التقليدية, فالتفكير الأصوب اليوم هو الاتجاه لأول مرة إلي تقنية جديدة في العلاج وهي العلاج الموجه باستخدام تقنيات البيولوجيا الجزئية والتي مكنتنا من أن نري التغيرات التي تحدث في الخلايا السرطانية, ومن ثم تحديد نوعية العلاج الموجه للخلايا المصابة دون أي مساس بالخلايا السليمة, وهو ما قدم لنا صورة أوضح عن الحالات الأكثر استفادة من العلاج الكيماوي بعد الجراحة. فلا يناسب كل مرضي السرطان نفس الدواء, لأن الورم مختلف بيولوجيا. كما تسهم هذه التقنية في متابعة تطور الحالة المرضية ومدي الاستجابة للعلاج خاصة الاجيال الجديدة من العلاجات الكيماغوية والتي من المنتظر إدراجها خلال الأسابيع القادمة. ويشير د. القرم إلي تحسن النتائج بنسبة كبيرة عند إضافة العلاج الموجه للعلاج الكيماوي, حيث زادت فرص دخول المريض للجراحة لاستئصال الورم كاملا بما فيها الثانويات, وهو ما انعكس علي زيادة معدل فرص الحياة للمصابين. ويوضح أن مشكلة سرطان القولون في مصر هي انتشاره في الأعمار الصغيرة مابين العشرينات والثلاثينات من العمر. والملاحظ أن تطور ورم القولون بين المصريين عنيف علي عكس المتعارف عليه في دول العالم. مشيرا إلي أن تراجع معدلات الشفاء من سرطان القولون يرجع بشكل أساسي لاكتشاف المرض في مرحلة متأخرة, فحوالي40% من حالات التشخيص الأولي يكون في المرحلة الرابعة أي أن السرطان موجود في القولون ومنتشر بالكبد أو الغشاء البريتوني أو الغدد الليمفاوية. مما يقلل نسب الشفاء إلي10%, بينما إذا اكتشف مبكرا فيمكن السيطرة عليه بصورة أفضل.
http://www.ahram.org.eg/NewsQ/249106.aspx