العدالة الإجتماعية حائرة أمام ديوان المظالـم
سيل من الطلبات والشكاوي استقبلتها دواوين المظالم الثلاثة منذ أن قرر رئيس الجمهورية الدكتور محمد مرسي إنشاءه لتلقي تظلمات المواطنين المصطفين أمام القصر الجمهوري, مطالبين بحل مشاكلهم والمتنوعة بين عمالية وفئوية وسكنية وصحية واقتصادية حتي وصلت المطالبات بافتتاح مكاتب بجميع الميادين التي شهدت مظاهرات ثورة25 يناير بالمحافظات.
جميعهم يطالب بالعدالة الاجتماعية كل حسبما يراها, فالبعض ينادي بإيجاد فرص عادلة للتشغيل لتمتص ملايين الشباب والفتيات من مستنقع البطالة. أما كبار السن والمتقاعدون فالعدالة عندهم تتمثل في وجود نظام جديد للمعاشات والخدمات الصحية يتلاءم مع متطلباتهم ويحفظ لهم كرامتهم في نهاية رحلة الحياة. بينما يذهب الآخرون إلي أن جوهر هذه العدالة هو تنفيذ سياسة ضريبية جديدة تقوم علي تحمل الطبقات الثرية ومن تمتعوا بثمار النمو المشوه طوال الأربعين عاما الماضية بأعباء حقيقية تتناسب مع ما جنوه من أرباح ومكاسب, وأخيرا المناداة بمطلب الحدين الأدني الأقصي للأجور وإعادة توزيع الدخول, وبين هذا وذاك يظل السؤال كيف تتحقق طموحات المصريين التي جسدتها ثلاث كلمات الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية, وكيف تنتقل العدالة من الشعار بكل مثالياته وشوق البسطاء من الناس إلي وضع السياسات العامة التي تنجزه علي أرض الواقع وتحل تظلمات وشكاوي الملايين, خاصة ونحن نضع اللبنات الأولي في عملية إعادة بناء الدولة المصرية الجديدة.
بداية يؤكد الدكتور عبد الخالق فاروق الخبير في الشئون الاقتصادية والاستراتيجية أنه لا يوجد بيت واحد تقريبا لم يخل من مظلمة, متعرضا لبعض ملامح الفقر والواقع الاجتماعي للمواطنين قبل ثورة25 يناير, والذي أجاد الخطاب الحكومي السابق والمتحدثين باسمه التحايل عليه ببيانات تؤكد نجاح سياساتهم ونظرتهم لمسار التنمية القائم منذ عام1974 علي آليات السوق ومنها علي سبيل المثال زيادة عدد مالكي السيارات الخاصة أوالقفزات في أعداد مستخدمي التليفون المحمول أو الأسر المالكة لغسالة ملابس عادية أو ثلاجة أو سخان, وكلها مؤشرات تؤكد تحسن مستوي المعيشة حتي بلغ المتوسط السنوي لاستهلاك الأسر المصرية عام2008 لحوالي17.3 ألف جنيه. إلا أنها تجاهلت حقائق هامة منها أن جزءا كبيرا من هذه المعطيات المعيشية الجديدة في حياة المصريين هي نتاج تدفقات مالية خارجية مثل تحويلات المصريين بالخارج أكثر من كونها نتاج سياسات تنمية داخلية ودورة اقتصادية محلية ذات طبيعية إنتاجية. كما أن جزءا ليس بقليل من هذا التحسن لدي قطاعات من الفقراء ومحدودي الدخل كان من جراء انتعاش حركة الأموال السوداء, وأموال الفساد كالاكراميات والرشاوي والدروس الخصوصية.
مفارقات الأجور
وعلي الجانب الآخر ما يعكسه واقع الشارع من معاناة, كالمستفيدين من معاش الضمان الإجتماعي وهم أدني الفئات حرمانا فقد زاد عددهم من141.2 ألف بداية التسعينات إلي1.3 مليون عام2008 بما يؤكد أن أعداد الفقراء فقرا مدقعا يتزايد عاما بعد آخر ولا يتناقص, خاصة إذا عرفنا أن إجمالي المبالغ المصروفة من الموازنة العامة ذلك العام لهؤلاء لم يزد علي المليار جنيه, أي أن متوسط ما يخص صاحب المعاش الواحد لم يزد علي64 جنيها شهريا, كما أن عدد أصحاب معاشات التقاعد والمستحقين عنهم لنفس العام بلغ7.2 مليون وهؤلاء يتقاضون مبالغ مالية متدنية تجعلهم في أدني درجات السلم الإجتماعي, وإذا أخذنا معدل إعالة لهؤلاء بمتوسط فردين يكون لدينا حوالي21 مليون مواطن يندرجون في أدني السلم الاجتماعي, كذلك إذ نظرنا إلي حائزي البطاقات التموينية للسلع المدعومة وهم الفئات الأقل من الوسطي فيتجاوزون13.3 مليون بطاقة بمتوسط63 مليون شخص.
وجه آخر يوضحه الدكتور عبدالخالق ممثلا في حصة كاسبي الأجور والمرتبات عام2009 ـ2010 والتي بلغت حوالي4,215 مليار جنيه تتوزع علي18 ملايين عامل, ومشتغل مقابل7 ـ8 ملايين عاطل, وبالرغم من ذلك دائما ما تظهر الشكوي من الأجور وعدم تناسبها مع متطلبات الحياة, وهو مايتضح من عدة نقاط أهمها أن هذه المرتبات لا تذب كاملة إلي مستحقا, حيث جري علا أستقطاعات متعددة كضرائب كسب العمل والتمغة والتوقع والتأمنات الاجتماعة والتأمن الصحي, بحث تتراوح نسبتها ككل بين13% و22% من إجمالي الأجر طوال العقدن الأخرن مقابل7% ـ13% في فترة الستينيات والسبعينيات.
هذا هناك عن التلاعب الفج الممارس في قطاع الأعمال الخاص, حث لا جري التأمن علي العاملين بما حرم العامل وأسرته من مستحقاته الفعلة من معاشات التقاعد بعد بلوغ السن القانونية. وفي الحقيقة يزداد العبء الواقع علي عاتق كاسبي الأجور إذ تحدثنا عن الاختلال الكبر في كل المرتبات والمكافآت داخل القطاع الحكومي ذاته, سواء بن العاملن بالجاز الإداري والبالغ عددهم3,1مليون, وبالإدارة المحلة5,3 مليون, وبالئات الخدمة حوالي500 ألف موظف, أو داخل كل قطاع من هذه القطاعات, حيث تتبان دخولهم بن الإدارات المختلفة والأفرع التابعة لنفس الجهة, كما أن هناك تفاقما لأعباء المعيشة علي محدودي الدخل بسبب عملات الخصخصة الجزئة التي تجري منذ مطلع التسعينيات تحت شعار تخفف العبء عن كال الحكومة في قطاعات ي بحكم الدستور والقانون من أم واجبات الدولة والحكومة. مثل قطاعات التعلم والصحة والإسكان, والتي أصبحت تبتلع معظم دخول الأسر المصرية. ويضرب مثالا بحجم الإنفاق الأسري في مجال التعلم والذي تراوح عام2006 من36 مليار جنيه إلي54 مليار جنيه, بنما لم زد ما خصصته الموازنة الحكومة في ذلك العام علي28 مليار جنيه فقط, وهو الأمر الذي انعكس علي تدهور الخدمات التعليمية بشكل واضح فحوالي57% من طلاب المدارس عموما يحصلون علي دروس خصوصية, وتزيد النسبة إلي59% في المدارس الحكومية, و52% في الخاصة و42% في التجريبية, وهو ما يعني تآكلا كاملا للمبدأ الدستوري بمجانية التعليم الحكومي, أما الحالة الصحية فالمؤشرات المتاحة تثير القلق إن لم يكن الفزع فهناك نحو9 ملايين مصاب بأمراض الكبد الفيروسية وهو رقم مرشح للزيادة وفقا للمسوحات الصحية. بينما يزيد مرضي السرطان علي الأربعة ملايين وحوالي100 ألف مصاب جديد سنويا. أما مرضي السكر فهم يزيدون علي الأربعة ملايين ومرضي القلب يزيدون علي الخمسة ملايين بخلاف حوالي4 ملايين آخرين من مرضي الكلي والفشل الكلوي.
خطة العدالة
ومن هنا فإن تطبيق وتنفيذ شعار العدالة الإجتماعية كهدف رئيسي من أهداف الثورة المصرية يستلزم وضع سياسات في عدة مجالات متوازية ومتكاملة, وهي أولا وجود سياسات عادلة في مجال التوظيف بعيدا عن الوساطة والمحسوبية خاصة ونحن نعاني حجم بطالة يتجاوز الثمانية ملايين شاب وفتاة. وثانيا التعلم بما يخفف الأعباء عن كاهل الأسر خاصة الفقرة, كذلك رد الإعتبار للمبدأ الدستوري الخاص بمجانية التعلم في جمع مراحله, فكلما حصلت القوي العاملة علي تعليم جيد حقق المجتمع نموا اقتصاديا فاعلا علي المدي الطويل. ومراعاة كل ما يتطلبه ذلك من تحسين أوضاع المعلمين والأبنية والمناهج ونظم الإمتحانات وتنمية المهارات والقدرات. وثالثا مجال الرعاية الصحية والعلاجية وذلك بتوفير مظلة للتأمين الصحي لكل المصريين خاصة محدودي الدخل والمسنين بجانب إعادة كلة المنظومة الصحية عموما وهيكلة الإدارة المالية للقطاع الصحي. ورابعا إجراء تغيير جذري في سياسات الإسكان التي ظلت قائمة علي مفهوم البناء ثم البيع أو التمليك كمشروع أبني بيتك, في حين حرمت الفئات الفقرة والطبقة الوسطي من فرص حقيقية للسكن. وخامسا ضبط الأسواق والأسعار من خلال تفكيك الإحتكارات الراهنة المسيطرة علي هياكل التجارة والإستيراد والصناعات الأساسية كالحدد والأسمنت والأسمدة واللحوم والزت والسكر وتعزيز المنافسة الحقيقية. وسادسا إيجاد سياسات عادلة في مجال الزراعة وتوفير مستلزمات الإنتاج من البذور والسماد والمبيدات وإعادة النظر في نظم التمويل والتسويق الزراعي بعيدا عن هيمنة الإحتكارات. وسابعا تطوير نظم التأمينات الإجتماعية وشبكات الأمان الإجتماعي بما يدخل إلي مظلتا ملايين العاملين في القطاع غير المنظم وبما يلزم أصحاب المشروعات الخاصة بالتأمين علي العاملين ومراعاة قوانين العمل. وثامنا إبعاد أجهزة الأمن عن التحزبات السياسية والتحيزات بمايضمن بقاءها في حماية القانون بنصوصه وروحه دون تعال أو قهر, وكذلك الحال للمؤسسة القضائية, فالعدالة البطيئة أو المشاركة في جرائم التزوير هي ظلم بين. وتاسعا الأهتمام بالبيئة والنظافة وسلامة الطرق ووسائل النقل العام كالقطارات والسفن والسيارات دون تحيز لمناطق أوقطاعات إجتماعية علي حساب الأغلبية الباقية. وأخيرا وليس آخرا وضع سياسات عادلة لتوزيع الدخول تقوم علي ثلاثة أركان أساسية هي التطبيق العادل والمتوازن لمبدأ الحد الأدني للأجور والمرتبات في جميع القطاعات حكومية أوخاصة أو أستثمارية. وكذلك التطبيق الصارم للحد الأقصي للدخول في القطاعات الحكومية والمصرفية. واقامة سياسات ضريبية لتوزيع الأعباء والمزايا من خلال الضريبة التصاعدة علي الدخول والأرباح, من جانبه أكد الدكتور رشاد عبد اللطيف أستاذ تنظيم المجتمع بكلية الخدمة الاجتماعية ونائب رئيس جامعة حلوان السابق, إن كثرة الإضرابات والإحتجاجات الفئوية هي أحد الآثار المترتبة علي غياب المكون الإجتماعي في برامج التنمية الاقتصادية والتي تمتد لمظاهر البلطجة أوالشبيحة والأنفلات الأمني وتزايد نسبة أطفال وأسر الشارع, مؤكدا إن العدالة الإجتماعية لن تتحقق إلا إذا أعتبرت جزءا أساسيا وليس أستثنائيا في التشريعات بما يدعم إحساس أفراد المجتمع بأنهم يملكون التأثير في القرارات وينمي لديهم الإحساس بالملكية والثقة في الحكومة. وذلك من خلال تبني سياسات لضمان المشاركة من جانب أبناء المجتمع خاصة الفئات المستبعدة وإمدادهم بالمعلومات والفرص لايجاد حوار مجتمعي بأسلوب فعال يهدف الاستقرار. مع وجود أماكن لتلقي الشكوي والاستجابة, لا كفكر ودواوين المظالم. كذلك إيجاد آليات استشارية دائمة قادرة علي التصدي للقضايا الوطنية وتضم ممثلين عن المؤسسات المدنية والإئتلافات والنقابات وأساتذة الجامعات وخبراء البحث العلمي. واحترام آراء الفئات المهمشة, والعمل علي تغيير سلوكها وتمكنها من المطالبة بحقوقهم بشكل شرعي. ووضع برامج فاعلة لدعم الشرائح الفقيرة بشكل شامل وعام علي أن تطبق سياسة الاستهداف في مرحلة تالية, حيث لوحظ أن كلمة الاستهداف تعني تغطية أقل وبالتالي صعوبة تحدد المستهدفون لبرامج الرعاية الاجتماعية وهو ماساهم في تراجع الخدمات المقدمة للطبقات الوسطي.
تظلمات عديدة
هذه العدالة المفقودة عكستها كلمات أحمد علي وهو يقول مش عارف آخد حقي في بلدي فبعدما تخرج في جامعة الأزهر منذ5 سنوات وبالرغم من ارتفاع تقديره حرم من التعيين كمعيد, وهو الآن عاطل عن العمل بعد أن ألتحق بإحدي الشركات للعمل في مجال الدعاية, وتم تسريحه مع الظروف المالية الخانقة بعد الثورة, طلب أحمد ومعه مئات الشباب من خريجي الجامعات وحملة المؤهلات العليا والمتوسطة الرابطين أمام قصر عابدين هو إرجاع حقوقهم وتعيينهم في مؤسسات وأجهزة الدولة الحكومية في وظيفة تناسبهم, خاصة إن بهم حالات جاوزت سنة التخرج بالاثني عشر عاما بدون دخل ثابت. وفي المقابل سيطرت الشكوي من الفصل التعسفي علي مئات آخرين منهم العاملون بشركة كير سيرفيس للنظافة وعدد من أمناء الشرطة المفصولين والمطالبين بعودتهم للعمل. وعلي مسافة ليست ببعيدة لافتة تعبنا من الظلم والإهماليرفعها عشرات من عمال اليومية, ومنهم الأسطي جمال عامل نقاشة علي باب الله والذي لم تمنعه أشعة الشمس الحارقة من التكدس في طوابير طويلة أمام شباك تلقي الشكاوي, فكما يقول يوم راحة وعشرة بلا أي جنيه, فهو يعاني من عدم وجود تأمين اجتماعي أوصحي, ويطالب بحقه في إعانة بطالة ومعاش يكفيه وأهله السؤال. وهنا تدخلت في الحوار السيدة التي تليه في طابور الإنتظار وجاءت من منطقة إمبابة تطلب من الرئيس توفير شقة لائقة لها, فكما تحكي تعيش هي وأبنتها المطلقة, وثلاثة أبناء في غرفة في بيت آيل للسقوط وكانت قد وعدت من قبل بشقة ضمن تطوير منطقة مطار إمبابة إلا أنها لم تستلمها حتي الآن.
http://www.ahram.org.eg/956/2012/07/10/3/159740/219.aspx
جميعهم يطالب بالعدالة الاجتماعية كل حسبما يراها, فالبعض ينادي بإيجاد فرص عادلة للتشغيل لتمتص ملايين الشباب والفتيات من مستنقع البطالة. أما كبار السن والمتقاعدون فالعدالة عندهم تتمثل في وجود نظام جديد للمعاشات والخدمات الصحية يتلاءم مع متطلباتهم ويحفظ لهم كرامتهم في نهاية رحلة الحياة. بينما يذهب الآخرون إلي أن جوهر هذه العدالة هو تنفيذ سياسة ضريبية جديدة تقوم علي تحمل الطبقات الثرية ومن تمتعوا بثمار النمو المشوه طوال الأربعين عاما الماضية بأعباء حقيقية تتناسب مع ما جنوه من أرباح ومكاسب, وأخيرا المناداة بمطلب الحدين الأدني الأقصي للأجور وإعادة توزيع الدخول, وبين هذا وذاك يظل السؤال كيف تتحقق طموحات المصريين التي جسدتها ثلاث كلمات الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية, وكيف تنتقل العدالة من الشعار بكل مثالياته وشوق البسطاء من الناس إلي وضع السياسات العامة التي تنجزه علي أرض الواقع وتحل تظلمات وشكاوي الملايين, خاصة ونحن نضع اللبنات الأولي في عملية إعادة بناء الدولة المصرية الجديدة.
بداية يؤكد الدكتور عبد الخالق فاروق الخبير في الشئون الاقتصادية والاستراتيجية أنه لا يوجد بيت واحد تقريبا لم يخل من مظلمة, متعرضا لبعض ملامح الفقر والواقع الاجتماعي للمواطنين قبل ثورة25 يناير, والذي أجاد الخطاب الحكومي السابق والمتحدثين باسمه التحايل عليه ببيانات تؤكد نجاح سياساتهم ونظرتهم لمسار التنمية القائم منذ عام1974 علي آليات السوق ومنها علي سبيل المثال زيادة عدد مالكي السيارات الخاصة أوالقفزات في أعداد مستخدمي التليفون المحمول أو الأسر المالكة لغسالة ملابس عادية أو ثلاجة أو سخان, وكلها مؤشرات تؤكد تحسن مستوي المعيشة حتي بلغ المتوسط السنوي لاستهلاك الأسر المصرية عام2008 لحوالي17.3 ألف جنيه. إلا أنها تجاهلت حقائق هامة منها أن جزءا كبيرا من هذه المعطيات المعيشية الجديدة في حياة المصريين هي نتاج تدفقات مالية خارجية مثل تحويلات المصريين بالخارج أكثر من كونها نتاج سياسات تنمية داخلية ودورة اقتصادية محلية ذات طبيعية إنتاجية. كما أن جزءا ليس بقليل من هذا التحسن لدي قطاعات من الفقراء ومحدودي الدخل كان من جراء انتعاش حركة الأموال السوداء, وأموال الفساد كالاكراميات والرشاوي والدروس الخصوصية.
مفارقات الأجور
وعلي الجانب الآخر ما يعكسه واقع الشارع من معاناة, كالمستفيدين من معاش الضمان الإجتماعي وهم أدني الفئات حرمانا فقد زاد عددهم من141.2 ألف بداية التسعينات إلي1.3 مليون عام2008 بما يؤكد أن أعداد الفقراء فقرا مدقعا يتزايد عاما بعد آخر ولا يتناقص, خاصة إذا عرفنا أن إجمالي المبالغ المصروفة من الموازنة العامة ذلك العام لهؤلاء لم يزد علي المليار جنيه, أي أن متوسط ما يخص صاحب المعاش الواحد لم يزد علي64 جنيها شهريا, كما أن عدد أصحاب معاشات التقاعد والمستحقين عنهم لنفس العام بلغ7.2 مليون وهؤلاء يتقاضون مبالغ مالية متدنية تجعلهم في أدني درجات السلم الإجتماعي, وإذا أخذنا معدل إعالة لهؤلاء بمتوسط فردين يكون لدينا حوالي21 مليون مواطن يندرجون في أدني السلم الاجتماعي, كذلك إذ نظرنا إلي حائزي البطاقات التموينية للسلع المدعومة وهم الفئات الأقل من الوسطي فيتجاوزون13.3 مليون بطاقة بمتوسط63 مليون شخص.
وجه آخر يوضحه الدكتور عبدالخالق ممثلا في حصة كاسبي الأجور والمرتبات عام2009 ـ2010 والتي بلغت حوالي4,215 مليار جنيه تتوزع علي18 ملايين عامل, ومشتغل مقابل7 ـ8 ملايين عاطل, وبالرغم من ذلك دائما ما تظهر الشكوي من الأجور وعدم تناسبها مع متطلبات الحياة, وهو مايتضح من عدة نقاط أهمها أن هذه المرتبات لا تذب كاملة إلي مستحقا, حيث جري علا أستقطاعات متعددة كضرائب كسب العمل والتمغة والتوقع والتأمنات الاجتماعة والتأمن الصحي, بحث تتراوح نسبتها ككل بين13% و22% من إجمالي الأجر طوال العقدن الأخرن مقابل7% ـ13% في فترة الستينيات والسبعينيات.
هذا هناك عن التلاعب الفج الممارس في قطاع الأعمال الخاص, حث لا جري التأمن علي العاملين بما حرم العامل وأسرته من مستحقاته الفعلة من معاشات التقاعد بعد بلوغ السن القانونية. وفي الحقيقة يزداد العبء الواقع علي عاتق كاسبي الأجور إذ تحدثنا عن الاختلال الكبر في كل المرتبات والمكافآت داخل القطاع الحكومي ذاته, سواء بن العاملن بالجاز الإداري والبالغ عددهم3,1مليون, وبالإدارة المحلة5,3 مليون, وبالئات الخدمة حوالي500 ألف موظف, أو داخل كل قطاع من هذه القطاعات, حيث تتبان دخولهم بن الإدارات المختلفة والأفرع التابعة لنفس الجهة, كما أن هناك تفاقما لأعباء المعيشة علي محدودي الدخل بسبب عملات الخصخصة الجزئة التي تجري منذ مطلع التسعينيات تحت شعار تخفف العبء عن كال الحكومة في قطاعات ي بحكم الدستور والقانون من أم واجبات الدولة والحكومة. مثل قطاعات التعلم والصحة والإسكان, والتي أصبحت تبتلع معظم دخول الأسر المصرية. ويضرب مثالا بحجم الإنفاق الأسري في مجال التعلم والذي تراوح عام2006 من36 مليار جنيه إلي54 مليار جنيه, بنما لم زد ما خصصته الموازنة الحكومة في ذلك العام علي28 مليار جنيه فقط, وهو الأمر الذي انعكس علي تدهور الخدمات التعليمية بشكل واضح فحوالي57% من طلاب المدارس عموما يحصلون علي دروس خصوصية, وتزيد النسبة إلي59% في المدارس الحكومية, و52% في الخاصة و42% في التجريبية, وهو ما يعني تآكلا كاملا للمبدأ الدستوري بمجانية التعليم الحكومي, أما الحالة الصحية فالمؤشرات المتاحة تثير القلق إن لم يكن الفزع فهناك نحو9 ملايين مصاب بأمراض الكبد الفيروسية وهو رقم مرشح للزيادة وفقا للمسوحات الصحية. بينما يزيد مرضي السرطان علي الأربعة ملايين وحوالي100 ألف مصاب جديد سنويا. أما مرضي السكر فهم يزيدون علي الأربعة ملايين ومرضي القلب يزيدون علي الخمسة ملايين بخلاف حوالي4 ملايين آخرين من مرضي الكلي والفشل الكلوي.
خطة العدالة
ومن هنا فإن تطبيق وتنفيذ شعار العدالة الإجتماعية كهدف رئيسي من أهداف الثورة المصرية يستلزم وضع سياسات في عدة مجالات متوازية ومتكاملة, وهي أولا وجود سياسات عادلة في مجال التوظيف بعيدا عن الوساطة والمحسوبية خاصة ونحن نعاني حجم بطالة يتجاوز الثمانية ملايين شاب وفتاة. وثانيا التعلم بما يخفف الأعباء عن كاهل الأسر خاصة الفقرة, كذلك رد الإعتبار للمبدأ الدستوري الخاص بمجانية التعلم في جمع مراحله, فكلما حصلت القوي العاملة علي تعليم جيد حقق المجتمع نموا اقتصاديا فاعلا علي المدي الطويل. ومراعاة كل ما يتطلبه ذلك من تحسين أوضاع المعلمين والأبنية والمناهج ونظم الإمتحانات وتنمية المهارات والقدرات. وثالثا مجال الرعاية الصحية والعلاجية وذلك بتوفير مظلة للتأمين الصحي لكل المصريين خاصة محدودي الدخل والمسنين بجانب إعادة كلة المنظومة الصحية عموما وهيكلة الإدارة المالية للقطاع الصحي. ورابعا إجراء تغيير جذري في سياسات الإسكان التي ظلت قائمة علي مفهوم البناء ثم البيع أو التمليك كمشروع أبني بيتك, في حين حرمت الفئات الفقرة والطبقة الوسطي من فرص حقيقية للسكن. وخامسا ضبط الأسواق والأسعار من خلال تفكيك الإحتكارات الراهنة المسيطرة علي هياكل التجارة والإستيراد والصناعات الأساسية كالحدد والأسمنت والأسمدة واللحوم والزت والسكر وتعزيز المنافسة الحقيقية. وسادسا إيجاد سياسات عادلة في مجال الزراعة وتوفير مستلزمات الإنتاج من البذور والسماد والمبيدات وإعادة النظر في نظم التمويل والتسويق الزراعي بعيدا عن هيمنة الإحتكارات. وسابعا تطوير نظم التأمينات الإجتماعية وشبكات الأمان الإجتماعي بما يدخل إلي مظلتا ملايين العاملين في القطاع غير المنظم وبما يلزم أصحاب المشروعات الخاصة بالتأمين علي العاملين ومراعاة قوانين العمل. وثامنا إبعاد أجهزة الأمن عن التحزبات السياسية والتحيزات بمايضمن بقاءها في حماية القانون بنصوصه وروحه دون تعال أو قهر, وكذلك الحال للمؤسسة القضائية, فالعدالة البطيئة أو المشاركة في جرائم التزوير هي ظلم بين. وتاسعا الأهتمام بالبيئة والنظافة وسلامة الطرق ووسائل النقل العام كالقطارات والسفن والسيارات دون تحيز لمناطق أوقطاعات إجتماعية علي حساب الأغلبية الباقية. وأخيرا وليس آخرا وضع سياسات عادلة لتوزيع الدخول تقوم علي ثلاثة أركان أساسية هي التطبيق العادل والمتوازن لمبدأ الحد الأدني للأجور والمرتبات في جميع القطاعات حكومية أوخاصة أو أستثمارية. وكذلك التطبيق الصارم للحد الأقصي للدخول في القطاعات الحكومية والمصرفية. واقامة سياسات ضريبية لتوزيع الأعباء والمزايا من خلال الضريبة التصاعدة علي الدخول والأرباح, من جانبه أكد الدكتور رشاد عبد اللطيف أستاذ تنظيم المجتمع بكلية الخدمة الاجتماعية ونائب رئيس جامعة حلوان السابق, إن كثرة الإضرابات والإحتجاجات الفئوية هي أحد الآثار المترتبة علي غياب المكون الإجتماعي في برامج التنمية الاقتصادية والتي تمتد لمظاهر البلطجة أوالشبيحة والأنفلات الأمني وتزايد نسبة أطفال وأسر الشارع, مؤكدا إن العدالة الإجتماعية لن تتحقق إلا إذا أعتبرت جزءا أساسيا وليس أستثنائيا في التشريعات بما يدعم إحساس أفراد المجتمع بأنهم يملكون التأثير في القرارات وينمي لديهم الإحساس بالملكية والثقة في الحكومة. وذلك من خلال تبني سياسات لضمان المشاركة من جانب أبناء المجتمع خاصة الفئات المستبعدة وإمدادهم بالمعلومات والفرص لايجاد حوار مجتمعي بأسلوب فعال يهدف الاستقرار. مع وجود أماكن لتلقي الشكوي والاستجابة, لا كفكر ودواوين المظالم. كذلك إيجاد آليات استشارية دائمة قادرة علي التصدي للقضايا الوطنية وتضم ممثلين عن المؤسسات المدنية والإئتلافات والنقابات وأساتذة الجامعات وخبراء البحث العلمي. واحترام آراء الفئات المهمشة, والعمل علي تغيير سلوكها وتمكنها من المطالبة بحقوقهم بشكل شرعي. ووضع برامج فاعلة لدعم الشرائح الفقيرة بشكل شامل وعام علي أن تطبق سياسة الاستهداف في مرحلة تالية, حيث لوحظ أن كلمة الاستهداف تعني تغطية أقل وبالتالي صعوبة تحدد المستهدفون لبرامج الرعاية الاجتماعية وهو ماساهم في تراجع الخدمات المقدمة للطبقات الوسطي.
تظلمات عديدة
هذه العدالة المفقودة عكستها كلمات أحمد علي وهو يقول مش عارف آخد حقي في بلدي فبعدما تخرج في جامعة الأزهر منذ5 سنوات وبالرغم من ارتفاع تقديره حرم من التعيين كمعيد, وهو الآن عاطل عن العمل بعد أن ألتحق بإحدي الشركات للعمل في مجال الدعاية, وتم تسريحه مع الظروف المالية الخانقة بعد الثورة, طلب أحمد ومعه مئات الشباب من خريجي الجامعات وحملة المؤهلات العليا والمتوسطة الرابطين أمام قصر عابدين هو إرجاع حقوقهم وتعيينهم في مؤسسات وأجهزة الدولة الحكومية في وظيفة تناسبهم, خاصة إن بهم حالات جاوزت سنة التخرج بالاثني عشر عاما بدون دخل ثابت. وفي المقابل سيطرت الشكوي من الفصل التعسفي علي مئات آخرين منهم العاملون بشركة كير سيرفيس للنظافة وعدد من أمناء الشرطة المفصولين والمطالبين بعودتهم للعمل. وعلي مسافة ليست ببعيدة لافتة تعبنا من الظلم والإهماليرفعها عشرات من عمال اليومية, ومنهم الأسطي جمال عامل نقاشة علي باب الله والذي لم تمنعه أشعة الشمس الحارقة من التكدس في طوابير طويلة أمام شباك تلقي الشكاوي, فكما يقول يوم راحة وعشرة بلا أي جنيه, فهو يعاني من عدم وجود تأمين اجتماعي أوصحي, ويطالب بحقه في إعانة بطالة ومعاش يكفيه وأهله السؤال. وهنا تدخلت في الحوار السيدة التي تليه في طابور الإنتظار وجاءت من منطقة إمبابة تطلب من الرئيس توفير شقة لائقة لها, فكما تحكي تعيش هي وأبنتها المطلقة, وثلاثة أبناء في غرفة في بيت آيل للسقوط وكانت قد وعدت من قبل بشقة ضمن تطوير منطقة مطار إمبابة إلا أنها لم تستلمها حتي الآن.
http://www.ahram.org.eg/956/2012/07/10/3/159740/219.aspx
تعليقات
إرسال تعليق