أول تقرير عالمى لمنظمة الصحة عن مقاومة المضادات: مصر تواجه سيناريو ما بعد المضادات الحيوية
ضيف جديد على قائمة المخاطر التى تهدد العالم فلم يكد الجنس البشرى يتنفس الصعداء من جراء اكتشاف البنسلين فى اربعينيات القرن الماضى بوصفه اول مضاد حيوى للأمراض البكتيرية ومن تبعه من اكتشافات دوائية روضت الكثير من الامراض المعدية او قضت عليها تماما. حتى بدأ تتضاعف مقاومة البكتيريا لتلك الادوية حتى إن غالبية المضادات الحيوية الموجودة الآن باتت مقاومة وقد تكون بعض أنواع البكتيريا مقاومة لأكثر من نوع من المضادات الحيوية.
وهو ما يعنى ان العالم يسير الى السناريو الاسوأ وهو عصر مابعد المضادات الحيوية، حيث يمكن لحالات العدوى الشائعة وللإصابات الطفيفة، كجرح اليد نتيجة استخدام السكين فى اعداد الطعام، أن يحصد الأرواح من جديد، ما لم تتخذ إجراءات جادة بداية من الوقاية من العدوى والترصد فى المستشفيات وحتى تغيير الطريقة التى يصف بها الاطباء المضادات الحيوية ويستعملها المرضى أيضاً. وهو التحذير التى خرجت علينا به منظمة الصحة العالمية فى تقريرها العالمى الأول عن انخفاض فاعلية المضادات الحيوية بسبب تحور البكتيريا فى السنوات الأخيرة. كاشفا عن سوء استخدام المضادات الحيوية بجانب عوامل أخرى هى المسئول الأول عن مقاومه المضادات من قبل البكتيريا والفيروسات، مما يجعلها تفقد فاعليتها ويجعل الأمراض والالتهابات الناتجة عن هذه البكتيريا والفيروسات قاتلة خلال الـ10 أعوام القادمة وربما أقل. وعالميا تتسبب مقاومة هذه المضادات فى وفاة مايجاوز 50% من المرضى نتيجة عدم الاستجابة للعلاج خاصة فى مرضى السل والملاريا.
ويستعرض التقرير المعنون"مقاومة مضادات الميكروبات:تقرير عالمى عن الترصد" حالات مقاومة المضادات الحيوية لدى سبعة ميكروبات مختلفة تتسبب فى أمراض شائعة وخطيرة، مثل حالات عدوى مجرى الدم والإسهال والالتهاب الرئوى وحالات عدوى المسالك البولية والسيلان من خلال البيانات الصحية المقدمة من 114 بلداً من ضمنهم مصر. ويكشف التقرير عن أن هذا التهديد الخطير لم يعد مجرد تنبؤاً للمستقبل بل إنه واقع بالفعل الآن فى كل دول العالم التى شملها التقرير.
ارتفاع حالات العدوى
ويقصد بمقاومة مضادات الميكروبات هى مقاومة البكتيريا والفيروسات وبعض الطفيليات لأنواع من الأدوية والمضادات الحيوية والتى كان فيما مضى يبدى حساسية حيالها نتيجة اكتسابها جيناً مقاوماً، ممّا يؤدى إلى طول فترة المرض وزيادة مخاطر الوفاة. وهى ظاهرة لا ترتبط بمكان حدوثها فى بلد معين بل يمكن أن تنتقل هذه البكتريا المقاومة لتحدث العدوى لأى فرد فى أى بلد.
فى هذا الصدد تشير ورقة بحثية عن التحدى المتمثل فى العدوى المقاومة للمضادات الحيوية "AMR"فى المستشفيات، من خلال مسح لانتشار استخدام المضادات الحيوية فى 18 مستشفى مصرية، وذلك على خلفية من تشكله من عبء كبير للمرضى والصحة الأنظمة، نتيجة زيادة معدلات الاعتلال والوفيات وارتفاع تكاليف الرعاية الصحية نظرا لطول فترة الإقامة فى المستشفى وكذلك تكلفة المضادات الحيوية والفحوص المختبرية الإضافية.
وقدمها كل من الدكاترة مها طلعت ومنى شكرى بوحدة أبحاث النامرو، خلال مناقشات مؤتمر دولى عن مقاومة مضادات الميكروبات فى عدد من دول شرق البحر المتوسط حيث كشف المسح عن الانتشار الواسع فى استخدام المضادات الحيوية بنسب تتراوح 32٪-92% بين مايزيد على الألفى مريض. ويشيع استخدام المضادات الحيوية فى المرضى تحت سن 12 عاما بنسبة تجاوز الثلثين مقابل 56٪ لمن هم 12 عاما فأكثر.
كما رصدت الدراسة ان نصف حالات العدوى بين المرضى كانت مكتسبة من المجتمع، و16٪ من الحالات اكتسبت من المستشفى و26٪ من وحدات العناية المركزة، بما يعني أن مراكز الخدمة الطبية فى مصر تتسبب فى 42% من مجمل حالات العدوى. وأبرزها عدوي الالتهاب الرئوى وعدوى مجرى الدم والتهاب المسالك البولية. كذلك أشارت الدراسة إلى عددا من التحديات منها ضعف القدرات المختبرية فى العديد من المستشفيات، ونقص توحيد الأساليب والإجراءات المتبعة بها. عدم الوعى الكافى لأطباء الرعاية المركزة بالتشخيص والعلاج من العدوى المكتسبة من المستشفيات بالإضافة إلى القضايا المتعلقة بحفظ السجلات الطبية وايجاد نظام لترصد العدوى بشكل مستدام.
استخدام عشوائى للدواء
ومن جانبها تشير الدكتورة عزة محمد استاذ الميكروبيولوجي والمناعة الطبية بطب طنطا، إلى أقسام جراحة العظام أحد الامثلة الواضحة على مشكلة مقاومة المضادات الحيوية لأن فيها تعتبر العدوى بعد الجراحة او الاصابة بعدوى الدم اكثر المضاعفات شيوعا. وفى دراسة استمرت تسعة أشهر فى قسم جراحة العظام بجامعة طنطا، تم رصد مستويات مرتفعة لوصف المضادات الميكروبات حوالى 98% مع انخفاض معدلات ملائمة الى 11.3٪.
وجاءت دواعى استخدام المضادات كعلاجا وقائيا بعد الجراحة بنسبة 77٪ من الحالات، أو كعلاجا للإلتهابات الناشئة بنسبة 13.4٪، فى حين 22% من الحالات وصفت المضادات الحيوية بشكل عشوائي.
نتائج الدراسة كما تفسرها الدكتورة عزة بإن هناك حاجة إلى زيادة الجهود المبذولة لوضع ضوابط واضحة ومحددة لوصف المضادات الحيوية داخل المستشفيات وتقليل تطوير مقاومة مضادات الميكروبات. وهى لابد ان تحدد وفقا للعدوى المتواجدة وانواعها والتى تختلف من مستشفى لاخرى وفقا لاجراء اختبارات حساسية المضادات. أيضا لابد من برنامج للمراقبة على الصعيد الوطنى لرصد الاتجاهات الميكروبية ومقاومة المضادات. وبينما يتجه الاتهام الرئيسى وراء فقدان المضادات الحيوية لتأثيرها على الميكروبات الى الاستخدام غير الرشيد للمضادات الحيوية رصدت دراسة أجريت على1200 مريض موزعين على أربعة أقسام فى مستشفى جامعة القاهرة هى الجراحة والطب الباطنى والصدر ووحدة العناية المركزة على مدار عامين. ان 20٪ من المرضى يتلقون العلاج غير المناسب للمضادات الحيوية مقارنة بالقواعد الاسترشادية. وكان أكثر انواع سوء الاستخدام تكرارا هى تعاطى مزيج غير مناسب بمايشكل 50٪ من الحالات، يليها تناول جرعة الخاطئة بنسبة 20٪ ثم عدم اختيار المضاد الحيوى الملائم للحالة أو إعطاءه مدة أطول بنسبة 15% .
ويشير الباحث الرئيسى بها الدكتور اسامة محمد بكلية صيدلة جامعة القاهرة، الى انه تم مقارنة سجلات الادوية المعطاة للمرضى مع القواعد الاسترشادية القياسية للعلاج بالمضادات الحيوية. وفقا للبيانات السريرية للمرضى ونتائج اختبار الحساسية والحاجة إلى تعديل الجرعة فى حالة المرضى الذين يعانون من القصور الكلوى. وكان من اللافت هو رصد أعلى معدل من إساءة استخدام المضادات الحيوية فى وحدة العناية الحرجة يليها قسم الجراحة ثم الباطنة ثم الصدر. أيضا رصدت الدراسة اختلاف فى قبول توصيات الصيادلة بشأن الاستخدام الامثل للدواء باختلاف الاقسام حيث كانت توصيات الصيادلة أكثر قبولا من اطباء قسم امراض الصدر بنسبة 100٪ فى حين انخفض معدل قبولها 50% فى قسم الجراحة وصولا لأدنى نسبة فى قسم الرعاية المركزة بحوالى 14% فقط.
من جانبه يوضح الدكتور وجيه المالكى أستاذ التغذية بهيئة الرقابة والبحوث الدوائية نقطة قد تغيب عن البعض فى قضية سوء وعشوائية استخدام المضادات الحيوية وهى بقايا المضادات الحيوية التى تصلنا بطريق غير مباشر بتناول المنتجات الحيوانية والدواجن، والتى تتجمع فى أنسجتها ومنتجاتها مسببة تداخلات بالنسبة للمرضى الذين يتعاطون علاجات أخرى تظهر فى صورة الحساسية وقلة الاستجابة للعلاج الأساسى وربما تكسبه مناعة للمضادات الحيوية بطريقة غير مباشرة. ولعل من أهم صور الاستخدام الخاطئ للمضادات الحيوية ارتباطها ببعض العادات الغذائية الشائعة كضرورة تناولها بعد وجبة كاملة، غافلين بذلك تداخلات الأدوية مع الأطعمة بما يقلل أو يزيد من امتصاص الجسم لها. وهو ما ينطبق على مادة التتراسيكلين المستخدمة فى علاج حالات مختلفة مثل حب الشباب والتهاب القصبات التى تتأثر فعاليتها عند تناولها بالفم بالأطعمة المحتوية على الكالسيوم كاللبن ومشتقاته والبيض.
نصائح واجبة
ويشير الدكتور المالكى الى عدد من التنبيهات الواجب اتباعها عند تعاطى المضادات الحيوية مثل الالتزام بالجرعات المحددة ومواعيدها. كذلك لاينبغى إيقاف تناول العلاج عند تحسن الحالة الصحية، لأن ذلك يؤدى إلى ظهور البكتيريا مرة أخرى وقد تكتسب مناعة من المضاد بحيث لاتتأثر به مستقبلاً مما يؤدى إلى صعوبة العلاج. أيضا يجب عدم تعاطى المضاد الحيوى بناء على نصيحة مجرب، وذلك لأن هذا الدواء فعال ضد بكتيريا معينة وقد لايكون مناسباً لحالة مريض آخر. يجب مراعاة عدم إعطاء الأطفال المضادات الحيوية إلا فى حالة الضرورة القصوى وتحت إشراف طبي، وذلك لأن المضادات الحيوية تزداد خطورتها إذا استخدمت للأطفال لأن أجسامهم لاتزال فى طور النمو كما ان الإسراف فى تناولها قد يؤدى إلى الإضرار بالمناعة الطبيعية فى أجسامهم وبالتالى إضعاف نموهم الطبيعى ومقاومتهم للأمراض. ويبقى التأكيد على تحذير تقرير منظمة الصحة العالمية باننا إذا تقاعسنا اليوم لن نجد العلاج غداً. وفى هذا الصدد يوصى التقرير بعدد من الأليات الرئيسية للتصدى لمقاومة المضادات الحيوية، وتشمل فى المقام الاول الوقاية من حالات العدوى عن طريق إتاحة المياه النقية ومكافحة العدوى فى مرافق الرعاية الصحية والتطعيم بهدف تقليل الاحتياج إلى المضادات الحيوية. كذلك ضمان الوصول دون عائق إلى الأدوية المضمونة الجودة؛ تنظيم وتعزيز استخدام الأدوية على نحو رشيد بما فى ذلك تربية الحيوانات وضمان الرعاية المناسبة المريض؛ تعزيز برامج المراقبة والقدرات المختبرية لرصد العدوى والسيطرة عليها. واخيرا ضرورة التغلب على مشكلة نقص البيانات بما فى ذلك تقديرات دقيقة عن مدى انتشار المشكلة وعبء المرض والتى من شأنها عرقلة خطط المواجهة.
رابط دائم: