بلاغات جديدة أمام النائب العام تفتح "القائمة السوداء" للأدوية في مصر
بلاغات جديدة تفتح ملف سوق الدواء في مصر ومدي مأمونيته، بعدما شهد العام المنصرم جدلًا واسعًا حول سحب بعض الأدوية ذائعة الصيت في الأسواق العالمية والمصرية، بعدما تأكد أن مخاطرها تفوق نفعها بشكل قاطع وبعدما كانت تسجل حالة أوحالتين علي الأكثر، قفز الرقم إلي 26 صنفًا.
وكان آخرها سحب دواء لعلاج السرطان بعدما اكتشفت الشركة المصنعة عيوبًا في تصنيعه، هذا القرار جاء بعد فترة لم تكن بالطويلة من إعلان وزارة الصحة عن سحب أدوية لعلاج السمنة ومن قبلها أدوية للسكر ثبت خطورتها علي القلب استنادًا لأبحاث ودراسات بمراكز دوائية عالمية وجميعا تؤكد تسببها في مضاعفات جانبية تشكل خطرًا على صحة المرضى.
وفي ظل هذا النقاش لن نتاول اتهامًا موجهًا لذلك المسئول أو تلك الشركة، وإنما قضيتنا المواطن الذي يحتل دواؤه مرتبة ثانية بعد المأكل ضمن اهتمامه اليومي وتقع عليه الكارثة الحقيقية.
وهو ما يطرح التساؤل عما يحدث؟ وما هي الأسباب التي تدعو لسحب دواء ما؟ وهل انتبهت الشركات فجأة إلى مخاطر أدويتها؟ وأخيرًا ماذا عن صحة من تناولها؟.
خيوط القصة، تبدأ مع البلاغ المقدم من المركز المصري للحق في الدواء بشان استمرار تداول أحد العقاقير المخصصة لمرضي السكر المحتوية علي المادة الفعالة الروزجلتازون فى الصيدليات علي الرغم من قرار وزارة الصحة المصرية بسحبه من الأسواق العام الماضي ومنع إنتاجه، استجابة لقرار هيئة الغذاء والدواء الأمريكية لخطورته الجسيمة على صحة المواطنين.
واستند البلاغ الذى تقدم به محمود فؤاد، رئيس المركز للنائب العام، علي تقارير المنظمات الدوائية العالمية التي أكدت تسببه في مخاطر شديدة علي القلب والكلى وأحيانا الوفاة، وكما ورد في البلاغ يتداول الدواء بدون قيود وبنفس السعر الذى كان عليه قبل حظره، حيث استطاع المركز شراء عدد من العبوات من عدة صيدليات بمناطق مختلفة بمدينة السلام والجيزة والتجمع الخامس.
واللافت في البلاغ أن الصيادلة الذين باعوا العقار أكدوا أنهم لم يخضعوا للتفتيش الصيدلى ولم يطالبهم أحد بإعادة العقار للشركة المنتجة، متهمًا شركات الأدوية بالتواطؤ على صحة 80 مليون مصرى حتي لاتتعرض للخسائر المترتبة علي منع الأدوية المحظورة مقابل تعريض صحة المصريين للخطر، وهي فرضية تحتمل الصواب ولكنها تظل بلا إجابة قاطعة حتي بيان تحقيقات النيابة.
وفي محاولة للإيضاح، تحدثنا الي الدكتور حيدر غالب، أستاذ الأدوية بطب القاهرة، بوصفه رائدًا لعلوم الأدوية.
بدأ حديثه برسالة واضحة للمواطنين وهي أن كل دواء يعتبر خطرًا على الإنسان إذا لم يستعمله بطريقة صحيحة، قائلا: كلما عرفت أكثرعن الدواء، كلما قل استخدامك له.
فلا يوجد دواء بدون مضاعفات وآثار جانبية ترتبط بعدة عوامل كتقدم السن أوالإصابة بمشاكل في وظائف الكبد أوالكلي ووجود اختلال في الأنزيمات وقدرة الجسم على التخلص من الدواء.
وهناك مرضي لديهم نوع معين من اختلال القلب اوتغيرات فسيولوجية تؤثر علي الاستجابة للدواء، وقد يزيد من المشكلة استعمال المريض لأدوية أخري في نفس الوقت نظرًا لتفاعلاتها.
مؤكدًا أن سحب أي دواء بعد استخدامه ليس بالضرورة خطأ من الشركة المنتجة أوالطبيب أو الهيئة المرخصة له.
ولكنه ظاهرة صحية عالميًا تعكس مزيدًا من الوعي الصحي وتطور علم المستحضرات الصيدلية والحرص علي صحة المواطنين من خلال متابعة الدواء وإعادة تقييم آثاره بعد تسجيله وحتي بعد استخدامه.
وكما هو معروف، فإن شركات الدواء العالمية تخاف بشدة من المسئولية القانونية، لذا نجدها تسارع بسحب الأدوية بمجرد ظهور احتمال أن تسبب مشاكل للمرضي وحتي قبل أن تصدر الجهات الرقابية تعليمات لها بذلك منعاً للملاحقة القانونية من المرضي.
إلا أن هذه المتابعة ظلت غائبة لفترات طويلة لدينا، وحديثا بدأت وزارة الصحة في إنشاء مركز مخصص لرصد الىثار الجانبية وهي خطوة لاتزال تحتاج إلي تدعيم أكثر ووعي كافٍ من الأطباء والجمهور.
وبحسب قول الدكتور حيدر، فاكتشاف مخاطر جديدة للدواء شيء محتمل لكل الأدوية، وهو أمر واقع، لا بد منه بالرغم من كل التجارب التي تجري عليه، فهناك آثار لايتم اكتشافها إلا مع الاستخدام وعلي نطاق كبير من المرضي، وليس بالضرورة أن تظهر المضاعفات على المرضى منذ بداية تناولهم للدواء المقرر.
فقد يستدعي الأمر فترة من الزمن لاكتشافها كما تختلف شدتها من شخص لآخر ثم إن الدراسة قد تجري في بلد مختلف وبالتالي تدخل عوامل أخرى مثل العرق والطقس والتغذية ونمط الحياة لتؤثرعلي نتيجة الدراسة
وهو مايستدعي فهم الدواء كمراحل من التجارب منذ بداية تصنيعه في المختبر مرورًا بالتجارب السريرية وحتى التسويق ووصوله إلى يد المريض، وتتضمن المرحلة الاولي تجارب ماقبل الدراسات الإكليكنية لإثبات مدي فعاليته الدوائية ومأمونيته وبمجرد تأكدها تبدأ التجارب الإكلينكية وغالباً ما تُجرى على عدد محدود من المتطوعين يترواح من 20-25 لتحديد مدى أقصى درجات الأمان للعقار ومعرفة معلومات أكثر عن وآليات عمله في الجسم.
ثم تنتقل الأبحاث للمرحلة الثانية من خلال دراسة مقارنة صغيرة العدد للتعرف على مدى الفاعلية العلاجية للدواء ومدى الأمان النسبي لاستخدام البشر له، وفي حالة التأكد من الفاعلية والحالات التي يمكن أن يفيد فيها يليها مرحلة تقويم النتائج واحتمالات الآثار الجانبية وأنواعها على أجهزة الجسم المختلفة، وقد تظهر أعراض جانبية للدواء بنسبة واحد في 10 آلاف وهي نسبة غير خطيرة.
وأخيرا المرحلة الرابعة بتوسيع دائرة البحث واختبار الدواء على حالات مرضية أخرى مصاحبة باعداد تترواح من 30-40 ألف.
وقد تصل المدة الزمنية منذ نشوء الفكرة إلى أخذ الموافقة النهائية على استخدام الدواء ما بين 8 و 10 سنوات وربما أطول، وحتى بعد طرحه في الصيدليات لاتتوقف الدراسات خاصة إذا كانت التركيبة الكيميائية جديدة وتستخدم لأول مرة، فثمة متابعة للمفعول أو ظهور آثار جانبية تستدعي وضع ضوابط جديدة للاستخدام أوسحبه من الأسواق حفاظاً على صحة المرضى، وتعرف هذه المرحة بالتقصي والرقابة بعد التسويق وهي مسئولية الهيئات الصحية والمنظمات العالمية مثل FDA والشركات المنتجة.
وعادة ماتكتشف المضاعفات بالمصادفة من شكاوي المواطنين، وبعضها تكشفه الشركات المنتجة نفسها من خلال التزامها بعمل دراسات ما بعد التسجيل، وبين هذا وذاك تأتي الملاحظات الذكية للطبيب المعالج وهو ما تسبقنا فيه دول الغرب حيث يتم تسجيل وتحليل كل الملاحظات للآثار الجانبية إذا كانت خطيرة أوحتي بسيطة أوهامشية ومن ثم يتم تحديد الإجراء المناسب حياله، فقد يموت شخصان من دواء معين جرب علي 20 مليون آخرين وبالتالي تلتزم الشركة المنتجة للدواء بوضع إشارة على أنه قد يسبب الوفاة.
ومن جهته يتفق الدكتور محمد زكريا جاد، الأستاذ بكلية الصيدلة بالجامعة الألمانية، على أنه لا يوجد دواء في العالم بدون تأثيرات ومضاعفات جانبية، فضلًا عن أن المرضى الذين يعانون من مرض واحد مختلفون ولديهم المرض بدرجات متفاوتة.
ومن الخطا الاعتقاد أن الدواء له تاثير واحد حينما يوجه نحو فئات معينة تعاني مشاكل صحية أخري.
حيث تبين أن بعض الأدوية قد يسبب في عدد قليل من المرضي دون غيرهم إعراضا جانبية تصل إلي حد الخطر، بينما لا تؤثر أدوية أخري في بعض المرضي، وهو ما دفع العلماء للسعي إلى "تفصيل" الدواء المناسب على"مقاس" المريض بدراسة التركيب الجيني ودوره في تغيير فاعلية الدواء وحدوث أعراضه الجانبية، بما يسمح بتحديد الدواء المناسب والجرعة المناسبة منه وتقليل آثاره الجانبية إلي أقل مدي.
وأسئلة وعلامات استفهام كثيرة واجهنا به الدكتور عمرو سعد مدير مركز اليقظة الدوائية والذي أكد أن ما يحدث لايثير الفزع بقدر ما يثير الاطمئنان لوجود مراقبة دائمة لامان المستحضرات الصيدلية والتي ظلت غائبة لفترة طويلة وهو مايفسر تزايد وقائع إيقاف تداول بعض الأدوية مؤخرا، مؤكدا أن سحب الأدوية لا يعني بالضرورة أنها خطيرة ولايجب استعمالها ولكنه يعني أن هناك محاذير عليها, منتقدًا تصويرالعقار كما لو كان تداوله سيسبب الموت اللحظى مما يحدث "بلبلة" بين المرضى.
ضاربًا مثلًا بما حدث مع دواء للسكر والذي علقت هيئة الرقابة على الأدوية الأوروبية ترخيصه لاكتشافها أن المخاطر الناجمة عن استخدامه أكثر من فوائده، وفى الوقت اكتفت منظمة الاغذية والعقاقير الأمريكية "FDA" بتداول العقار مع فرض المزيد من القيود على استخدامه فى النشرة الداخلية. وهو الامر الذي ارتأت معه وزارة الصحة وقف استخدامه حرصًا على مصلحة المريض المصرى فى ظل زيادة نسبة المخاطر من هذا الدواء، خاصة وان هناك بدائل كثيرة يستطيع الطبيب وصفها للمرضى وهي ادوية موجودة بالفعل فى السوق المصري وبنفس الفاعلية والكفاءة.
وفي هذا الصدد يتواصل المركز بشكل يومي مع المنظمات الدوائية العالمية لمتابعة مايشهده سوق الدواء من تحركات وتاثيراتها علي السوق المحلي، حيث يشترك المركز في قاعدة البيانات العالمية للآثار العكسية بالسويد التابعة لمنظمة الصحة العالمية ويتم تجميعها من كل دول العالم لبيان نسب الفوائد والمخاطر للأدوية وعما إذا ما كان هناك انذارات او تقارير صادرة بشانها. وطبقا لما جاء فيها يتم الاجتماع واتخاذ القرار المناسب اما بسحب الدواء ووقف ترخيصه اوزيادة الضوابط والتحذيرات الموجودة بالنشرة الداخلية، وهناك برتوكولا ينص علي أنه عندما يتم إصدار قرار بسحب مستحضر معين من الأسواق العالمية يصدر المركز أمرا ممثلا بالسحب ويتم توزيعه علي جميع إدارات التفتيش والشركات الموزعة ومختلف الجهات للتأكد من منع تداول ذلك المستحضر وفي حالة المخالفة هناك عقوبات تصل إلي حد إغلاق الصيدلية في حالة توزيع أو بيع أدوية صادر قرار سحب لها، مشيرا إنه وفقا للإطار القانوني لايسجل الدواء في مصر إلا بعد مرور 5 سنوات علي طرحه في بلد المنشأ وظهوركل الأعراض الجانبية التي تلتزم الشركات بذكرها في النشرات الداخلية للدواء.
ولكن البعض يعلق علي وقائع إيقاف الأدوية والتحذير المفاجئ من تناولها متسائلا عن دور الوزارة ولماذا تظل كمتلقي لقرارات سحب الأدوية وماهي الإشكاليات التي تواجهها في هذا الصدد؟ خاصة وان هناك ملاحظات تتعلق بسلامة بعض الادوية المصرح بتدولها كما يرصدها المتخصصين.
وهو ما يرد عليه مدير مركز اليقظة بأن المعلومات حول مدي خطورة الدواء تتوافر، إلا أن قرار سحب دواء من السوق ليس قرارًا فرديًا أو يتخذ بمعزل عما يجري في العالم، خاصة أننا فى مصر ليس لدينا إمكانية إجراء مثل تلك الأبحاث الضخمة على الأدوية وما تتطلبه من تكاليف باهظة، وهو مايجعلنا ننتظر قرار جهة رقابية وبحثية كبرى مثل الوكالة الدولية لتقييم الأدوية.
ونحن الآن في المركز بصدد إعداد 20 ألف نسخة لنموذج للإبلاغ عن آثار الدواء سيوزع بشكل مبدئي علي صيادلة المستشفيات علي أن يتم تعميمه لاحق ضمن الإستراتيجية الهادفة لإنشاء قاعدة بيانات جامعة لكل المعلومات التي تتعلق ببلاغات المخالفات والمخاطر التي قد تنجم عن الأدوية وتقارير الآثار الجانبية لها .
وحول الأسباب التي تدعو وزارة الصحة إلى سحب أي دواء من الأسواق المحلية يوضح الدكتور سعد، أنها قد تسحب بناء على طلب من الشركة المصنعة وهو ما يسمى بالاسترجاع، لاكتشافها خطأ فنيًا فى عملية تصنيعه، أو لوجود تقارير تفيد بوجوب سحب المستحضر لأسباب فنية وصحية، أو في حالة اكتشاف وزارة الصحة لاختلافات فى مواصفات المنتج الدوائى فى الأسواق عما تم تسجيله فى الوزارة، أو تكرار ورود شكاوى مقدمة من المرضى، معتبرا تحرك المواطنين والأطباء هو حجر الزاوية في إثارة الانتباه إلى التركيبة الدوائية المضرة ودفع الجهات المختصة للبحث والتعامل معه، فثقافة الإبلاغ عن الآثار العكسية والمشاكل المصاحبة لاستخدام الدواء لدينا منقوصة فكم مرة يذهب المريض للصيدلية ويشكو من أعراض غريبة بسبب دواء ما ويغير الدواء بدون أي مناقشة أو دراسة الأسباب، مناشداً المواطنين الاتصال على أرقام مركز اليقظة الدوائية وهي25354130 – 25354100 للاستعلام عن العقاقير البديلة أو الإبلاغ عن الشكاوي من الأدوية، مؤكدا علي تعامل المركز مع حالات الإبلاغ بشكل من السرية يحمي هوية المبلغ، كما يقدم المركز نشرات شهرية عن مأمونية الأدوية في السوق وهي متاحة للمشتركين عبر الإيميل ولمن يرغب يستطيع الطلب عبر البريد الإلكتروني pv.center@eda.moph.gov.eg.
تعليقات
إرسال تعليق